اتفق المسلمون
سلفهم وخلفهم على مشروعية قراءة القرءان على قبور موتى المسلمين وأن ذلك
أمر حسن ينفع القارئ والميت بإذن الله وأن إهداء القراءة للأموات مشروع
خلافا لما يقوله بعض من يدعي العلم ويكفي في إثبات ذلك للإستدلال حديث
البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة :[ لو كان ذاكِ وأنا حي لاستغفرت لك ودعوت لك ] ا هـ. محل الشاهد في هذا الحديث قوله عليه السلام :[ ودعوت لك] فإن هذه الكلمة تشمل الدعاء بأنواعه فدخل في ذلك دعاء الرجل بعد قراءة شئ من القرءان لإيصال الثواب للميت بنحو قول : [ اللهم أوصل ثواب ما قرأت إلى فلان] وما
شهر من خلاف الشافعي من قول إن القراءة لا تصل إلى الميت فهو محمول على
القراءة التي تكون بلا دعاء بالإيصال وبغير ما إذا كانت القراءة على القبر
فإن الشافعي أقر ذلك
قال النووي في
كتابه (الأذكار) ما نصه [باب ما ينفع الميت من قول غيره: أجمع العلماء على
أن الدعاء للأموات ينفعهم ويصلهم ثوابه واحتجوا بقوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} سورة الحشر، وغير ذلك من الآيات المشهورة بمعناها، وفي الأحاديث المشهورة كقوله صلى الله عليه وسلم "اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد"، وكقوله صلى الله عليه وسلم "اللهم اغفر لحينا وميتنا" رواه
الترمذي والنسائي وأبو داود، وغير ذلك] اهـ. ومما يشهد لنفع الميت بقراءة
غيره حديث معقل بن يسار أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "اقرءوا يس على موتاكم" رواه أبو داود، والنسائي في عمل اليوم والليلة، وابن ماجه، وأحمد، والحاكم، وابن حبان
وروى الطبراني
في المعجم الكبير عن اللجلاج عن أبيه [قال: قال لي أبي: يا بني إذا أنا مت
فألحدني، فإذا وضعتني في لحدي فقل: بسم الله وعلى ملة رسول الله ثم سن عليّ
الثرى سنًا، ثم اقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها، فإني سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك]. قال الحافظ الهيثمي في الكبير ورجاله
موثوقون وروى الطبراني أيضًا في المعجم الكبير عن ابن عمر رضي الله عنه
أنه قال [سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره وليُقرأ عند رأسه بفاتحة الكتاب وعند رجليه بخاتمة البقرة في قبره
قال المحدث اللغوي الفقيه محمد مرتضى الزبيدي في شرح الإحياء ما نصه :[قال السيوطي في شرح الصدور : (وأما قراءة القرءان على القبر فجزم بمشروعيتها أصحابنا وغيرهم ), قال الزعفراني: (سألت الشافعي عن القراءة عند القبر فقال لا بأس به) , وقال النووي
في شرح المهذب : (يستحب لزائر القبور أن يقرأ ما تيسر من القرءان ويدعوا
لهم) عقبها نص عليه الشافعي واتفق عليه الأصحاب ,زاد في موضع ءاخر وإن
ختموا القرءان على القبر كان أفضل . ] اهـ
وقد سئل الشمس محمد بن علي بن محمد بن عيسى العسقلاني الكناني الشافعي المعروف ببن القطان المتوفى سنة 318 هـ وهو من مشايخ الحافظ ابن حجر عن مسائل فأجاب ومنها : ( وهل
يصل ثواب القراءة للميت أم لا فأجاب عنها في رسالة سماها (القول بالإحسان
العميم في انتفاع الميت بالقراءن العظيم) قال فيه رحمه الله :قال كثيرون
منهم يصل ثواب القراءة للميت وبه قال الإمام أحمد بعد أن قال القراءة على
القبر بدعه بل نقل عنه أنه يصل إلى الميت كل شئ من صدقة وصلاة و حج وصوم
واعتكاف وقراءة وذكر وغير ذلك ونقل ذلك عن جماعة من السلف ونقل عن الشافعي
انتفاع الميت بالقراءة على قبره واختاره شيخنا شهاب الدين ابن عقيل وتواتر أن الشافعي زار الليث بن سعد وأثنى عليه خيرا وقرأ عنده ختمه وقال :أرجو أن تدوم فكان الأمر كذلك ,وقد أفتى القاضي حسين بأن الإستئجار للقراءة على رأس القبر جائز كالإستئجار للأذان وتعليم القرءان , قال النووي في زيادات الروضه : (ظاهر كلامه صحة الإجارة مطلقا وهو المختار فإن موضع القراءة موضع بركة وتنزل الرحمة وهذا مقصود ينفع الميت) وعن القاضي أبي الطيب الثواب للقارئ والميت كالحاضر فترجى له الرحمة والبركة
وقال القرطبي: وقد
استدل بعض علمائنا على قراءة القرءان على القبر بحديث العسيب الرطب الذي
شقه النبي صلى الله عليه وسلم اثنين ثم غرس على قبر نصف وعلى قبر نصف وقال :[لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا ]رواه الشيخان قال: ويستفاد من هذا غرس الأشجار وقراءة القرءان على القبور وإذا خفف عنهم بالأشجار فكيف بقراءة الرجل المؤمن القرءان , وقال النووياستحب
العلماء قراءة القرءان عند القبر واستأنسوا بذلك بحديث الجريدتين وقالوا :
إذا وصل النفع إلى الميت بتسبيحهما حال رطوبتهما فانتفاع الميت بقراءة
القرءان عند قبره أولى فإن قراءة القرءان من إنسان أعظم وأنفع من التسبيح
من عود وقد نفع القرءان بعض من حصل له ضرر في حال الحياة فالميت كذلك) , قال ابن الرفعة: (الذي
دل عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرءان إذا قصد به نفع الميت وتخفيف ما
هو فيه نفعه إذ ثبت أن الفاتحة لما قصد بها القارئ نفع الملدوغ نفعته ),
وأقر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله :[وما يدريك بأنها رقية] وإذا
نفعة الحيّ بالقصد كان نفع الميت بها أولى لأن الميت يقعُ عنه من العبادات
بغير إذنه ما لا يقعُ من الحي , نعم يبقى النظر في أن ما عدا الفاتحة من
القرءان الكريم إذا قُرأ وقُصد به ذلك هل يلتحق به) . اهـ. نعم يلتحق به
فروى ابن السني من حديث ابن مسعود : (أنه قرأ في أُذن مبتلى فأفاق فقال له رسول الله: ما قرأت في أذنه قال: { قرأت أحسبت أنما خلقناكم عبثا} حتى فرغت من ءاخر السورة فقال صلى الله عليه وسلم :[لو أن رجلا قرأ بها على جبل لزال] , ومثل
ذلك ما جاء به في القراءة بالمعوذتين والإخلاص وغير ذلك , وفي الرقية
بالفاتحة دليل على صحة الإجارة والجعالة لينتفع بها الحي فكذلك الميت ومما يشهد لنفع الميت بقراءة غيره حديث معقل بن يسار "اقرأوا على موتاكم" رواه أبو داودوحديث :"إقرأوا يس على موتاكم" رواه النسائي وابن ماجه وابن حبان، وحديث "يس ثلث القرءان لا يقرأها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له فاقرءوها على موتاكم" رواه أحمد. وأول
جماعة من التابعين القراءة للميت بالمحتضر والتأويل خلاف الظاهر، ثم يقال
عليه إذا انتفع المحتضر بقراءة يس وليس من سعيه فالميت كذلك والميت كالحي
الحاضر يسمع كالحي الحاضر كما ثبت في الحديث]. انتهى ما نقلته من كلام ابن
القطان
وروي عن علي بن موسى الحداد قال: كنت
مع الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى في جنازة ومحمد بن قدامة الجوهري
الأنصاري أبو جعفر البغدادي – فيه لين , وقال أبو داود ضعيف روى له البخاري
في خبر القراءة خلف الإمام مات سنة237 معنا فلما دفن الميت جاء رجل ضرير
يقرأ عند القبر فقال له أحمد : يا هذا إن القراءة عند القبر بدعة فلما
خرجنا من المقابر قال محمد بن قدامة لأحمد : يا أبا عبد الله ما تقول في
مبشر بن إسماعيل الحلبي – أبي إسماعيل الكلبي مولاهم صدوق مات سنة 200 بحلب
روى له الجماعة- فقال : ثقة قال :هل كتبت عنه شيئا , قال : نعم , قال : أخبرني
مبشر بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج – نزيل حلب مقبول روى
له الترمذي عن أبيه العلاء بن اللجلاج الشامي , يقال إنه أخو خالد ثقة ,
روى له الترمذي ولأبيه اللجلاج صحبة عاش 120 خمسين في الجاهلية وسبعين في
الإسلام , قال أبو الحسن بن اسماعيل اللجلاج والد العلاء غطفاني , واللجلاج
والد خالد عامري أنه أوصى إذا دفن أن يقرأ عند رأسه فاتحة البقرة وخاتمتها
وقال : سمعت ابن عم رضي الله عنه يوصي بذلك , فقال له أحمد : فارجع
إلى الرجل فقل له يقرأ , وهكذا أورده القرطبي في التذكرة . وعند الطبراني
من طريق عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج قال : قال لي أبي : يا بني إذا
وضعتني في لحدي فقل : بسم الله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله . ثم
سن علي التراب سناً , ثم اقرأ عند رأسي بفاتحة البقرة وخاتمتها ,فإني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك , هكذا هو عند الطبراني وكأنه سقط
منه : فإني سمعت أبي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم , فإن الصحبة
للجلاج لا للعلاء . وأما قول ابن عمر فقد روي مرفوعا رواه البيهقي في الشعب
عن ابن عمر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :[ إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره وليقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وعند رجليه بخاتمة سورة البقرة] ورواه الطبراني كذلك إلا أنه قال :[ عند رأسه بفاتحة الكتاب] والباقي سواء
وقال أحمد بن محمد المروذي:[ سمعت
أحمد بن حنبل رحمه الله يقول : إذا دخلتم المقابر فاقرءوا بفاتحة الكتاب
والمعوذتين وقل هو الله أحد واجعلوا ثواب ذلك لأهل المقابر فإنه يصل إليهم ,
كذا أورده عبد الحق الأزدي في كتاب العاقبة عن أبي بكر أحمد بن محمد
المروذي على الصواب , وروى النسائي والرافعي في تاريخه وأبو محمد السمرقندي
في فضائل سورة الإخلاص من حديث علي : من مر على المقابر وقرأ { قل هو الله أحد} إحدى
عشرة مرة ثم وهب أجره للأموات أعطي من الأجر عدد الأموات , قال الشمس بن
القطان ولقد حكى لي من أثق به من أهل الخير أنه مر بقبور فقرأ { قل هو الله أحد} وأهدى ثوابها لهم , فرأى واحدا منهم في المنام وأخبره بأن الله تعالى غفر له ولسائر القبور فخصه ثواب رأس واو من سورة { قل هو الله أحد} , وتقسم الباقون باقيها ببركة سورة { قل هو الله أحد
قال الحافظ النووي في رياض الصالحين في باب الدعاء للميت بعد دفنه والقعود عند قبره ساعة بعد دفنه للدعاء له والاستغفار والقراءة ما نصه : قال الشافعي رحمه الله : ويستحب أن يقرأ عنده شئ من القرءان وإن ختموا القرءان عنده كان حسنا
والله تعالى أعلم وأحكم